• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

وأخيراً القمر يسبح في الغلاف الجوي للأرض!

د. ماهر الجعبري

وأخيراً القمر يسبح في الغلاف الجوي للأرض!

نتابع المسار المعرفي الذي طرحنا فيه أسئلة وجودية حول أصل الكون والحياة، مع خبر علمي صاعق ولكنّه مر بهدوء خلال الأيّام الماضية، يعدينا إلى تعزيز الشكّ العلمي بتصوّر الحدّ الفاصل بين الغلاف الجوي والفراغ الكوني، وبما يؤكّد بطلان رواية أمريكا حول غزوة القمر، كما بيّنا في مقالين سابقين (الشك العلمي 9 و10)، وهو خبر صادر عن وكالات الفضاء الدولية يجب أن يفتح العقول نحو تعزيز مبدأ الشكّ العلمي بما تطرحه المؤسّسات الفضائية الدولية.

قد يكون القارئ لم يسمع بذلك الخبر العلمي المفاجئ حتى ساعة قراءة هذا المقال، لأنّ مثل تلك الأخبار التي تحدث تصادماً مع التصوّرات العلمية للوجود تعبر الإعلام بومضة قلّما تلفت الانتباه، وقلما يمارس القرّاء التفكير الناقد فيها، وقلما يدفعهم لملاحظة تأثير ذلك على تصوّر العلم للوجود.

إذ تناقلت وسائل إعلام عربية وغربية ومنها الجزيرة نت (1) أنّ دراسة حديثة نشرتها مجلة للبحوث الفيزيائية لفريق علمي، برئاسة الفيزيائي الروسي إيغور باليوكين، من معهد أبحاث الفضاء الروسي، كشفت عن أنّ الغلاف الجوي للأرض أكثر تعقيداً ممّا نظن، وأنّه يمتد إلى مسافة أبعد من القمر، وذلك التعقيد في تصوّر الغلاف الجوي هو ما كنا قد علّقنا عليه ضمن مقال هل يمكن أن يكون الفراغ الكوني وهما؟

وجاء هذا الكشف الصاعق بعد تحليل بيانات المرصد «سوهو» التابع لوكالة الفضاء الأوروبية ووكالة ناسا، والتي جمعت على مدار 20 عاماً، وقد عنونته بعض وسائل الإعلام بعنوان (اكتشاف مفاجئ) (2).

وفي التفصيل أنّ تحليل المنطقة المسماة جيوكورونا - وهي الحدّ الخارجي المتوهج من الغلاف الخارجي للأرض - بيّنت أنّ سحابة من ذرات الهيدروجين التي تشكّل الجزء الأبعد من الغلاف الجوي للأرض تمتد على مسافة كبيرة بما يكفي لتغلف القمر أيضاً، وفي التصوّر العلمي الجديد أنّ هذه المنطقة هي سحابة رقيقة من الهيدروجين المحايد المتوهج تمتد حتى مسافة 630 ألف كم، أي لضعفي المسافة من الأرض إلى القمر، وهو ما يناقض التصوّر النظري السائد سابقاً حول منطقة الجيوكورونا، بأنّها تمتد فقط حتى 200 ألف كيلومتر تقريباً عن الأرض، وكان العلماء قد افترضوا وجود خطّ خيالي سُمّي «خطّ كارمان» يبعد 100 كيلومتر عن الأرض، كحدٍّ فاصل بين مجال الملاحة الجوية ومجال الملاحة الفضائية.

صحيح أنّ العلماء يرون أنّ هذه المنطقة ذات كثافة قليلة جدّاً، بما يشبه وصف الفراغ على الأرض لدى العلماء، إلّا أنّ الحديث عن وجود ذرات الهيدروجين حتى تلك المسافات البعيدة، يعني بشكل صارخ أنّ كلّ الرُّؤى العلمية السابقة حول وجود الفراغ الكوني بعد خطّ كارمان كانت خاطئة تماماً، وأنّ ما بُني عليها من تصوّرات علمية خاطئة أيضاً، فما هو حال ذلك اليقين العلمي الموهوم لدى البعض حول تصوّر الأرض والسماء؟

وفي سياق متصل كانت وكالة ناسا قد بدأت تتحدّث عن وجود غلاف جوي للقمر ذي كثافة متناهية في الصغر خلال السنوات الأخيرة، منها مثلاً ما جاء في إجابة على موقعها الرسمي عام 2013 على سؤال هل للقمر غلاف جوي؟(3).

وهذا «الكشف المفاجئ» عام 2019، يعيدنا إلى سؤال جوهري: كيف استطاع الأمريكان في الستينات من القرن الماضي تصميم وضبط رحلتهم المزعومة إلى القمر على أساس فرضية الفراغ بين الأرض والقمر، بينما تبيّن اليوم أنّ الفراغ ليس فراغاً، بل هو امتداد للغلاف الجوي؟

والسؤال الأهم، كيف استطاعت كلّ وكالات الفضاء النفاذ من حدِّ الغلاف الجوي المتصوّر على مسافة أقل بكثير ممّا يتحدّثون عنه الآن، بينما كانت مركباتهم «الفضائية» وأقمارهم الصناعية تسبح ضمن الغلاف الجوي حسب ما يكتشفون الآن؟ ثمّ كيف صمّموا المحركات وأجهزة الاحتراق في تلك البيئة المجهولة «التي كانت فارغة ثمّ صار فيها ذرات هيدروجين»، ثمّ نجحوا في اختراق أقطار السماوات؟

ولذلك وببساطة شديدة، فإنّ هذا الكشف يعيدنا إلى تعزيز الشكّ العلمي بإمكانية الرحلات في الفضاء ممّا ذكرناه في المقال السابق (هل يجوز الشكّ في المعراج الصاروخي للسماء؟).

وقد خلص تقرير الجزيرة إلى أنّ الأمر يستوجب ضرورة إعادة النظر في تحديد الحدّ الفاصل بين الغلاف الجوي الأرضي والفضاء الخارجي، ولكن الأدق أن نقول إنّ الأمر يستوجب إعادة النظر في جل الأطروحات «الفضائية» للمشهد الكوني، وخصوصاً تلك التي قد لا تنسجم مع التصوير القرآني للوجود، ممّا نطرحه ضمن هذا المسار المعرفي.

وعلى أقل تقدير فإنّ هذا الخبر العلمي الصاعق يجب أن يفتح عقول الناس إلى ممارسة الشكّ العلمي في الأطروحات العلمية حول الأرض والوجود، إذ قبل صدور هذه الدراسة كان دوران القمر ضمن الفراغ المطلق تصوّراً علمياً يشبه العقيدة عند البعض، بينما هي اليوم في مهب الريح.

إنّ هذا الكشف يؤكّد الصفة المؤقتة للطرح العلمي وينفي عنه الحقيقة، ويجسّد مثالاً عملياً حيّاً وحديثاً ممّا طرحناه ضمن هذه السلسلة المعرفية من أنّ النظريات العلمية قابلة للدحض (falsifiable)، كما بيّنا في مقال سابق تحت عنوان هل النظرية المثبتة هي حقيقة علمية؟

وإذا كان هذا الخطأ الفادح، وبهذا الحجم، وبما وُصف بأنّه اكتشاف مفاجئ، ومع أنّه يتعلّق بفهم العلم للغلاف الجوي والقمر القريب من الأرض وبما نحسّه اليوم، فكيف يمكن أن يكون الحال فيما يتعلّق بتصوّر أو تكهّن العلماء لما يبعد مليارات السنين الضوئية، ولما حدث قبل مليارات السنين الزمنية «كما يتصوّر العلماء»، وبالثقوب السوداء وبالانفجار الكوني؟! إذن آن الأوان لأن نستيقظ من غفلة العلم بأنّه قادر على الإجابة عن الأسئلة المصيرية حول أصل الحياة والوجود بديلاً عن العقيدة.

(1) خبر «دراسة تكشف أبعاداً جديدة للغلاف الجوي»، الجزيرة نت، بتاريخ 23/2/2019

(2) خبر «اكتشاف مفاجئ.. «الغلاف الجوي» للأرض يغلف القمر»، روسيا اليوم، بتاريخ 21/2/2019

(3) وكالة ناسا «Is There an Atmosphere on the Moon?» بتاريخ 12/4/2013.

ارسال التعليق

Top